اقرأ المقال في موقع مدونات الجزيرة
يرصد هذا المقال المتغيرات المجتمعية التي طرأت بسبب جائحة كورونا على الافراد والمجتمعات العربية واسبابها من منظور ادارة ازمات الصحة العامة
لوقف انتشار وباء كورونا المتجدد، يتم تنفيذ اجراءات مهمة في جميع أنحاء العالم والتي تشمل المحاجر الإلزامية والطوعية على مستوى المدينة والافراد، إلغاء التجمعات الكبيرة. يحث أخصائيو منظمة الصحة العالمية على “الإبعاد او التباعد الاجتماعي” Social Distancing- بشكل أساسي، الابتعاد عن الازدحام وترك مسافات شخصية مع الآخرين وذلك للحد من انتشار الفيروس.
على الرغم من أن المرض يبدو أنه يصيب كبار السن والمصابين بضعف المناعة بشدة أكبر، إلا أنه حتى الشباب والأصحاء يتم تشجيعهم بشدة على ممارسة ” التباعد الاجتماعي” لماذا؟ وما هو التباعد الاجتماعي؟
يجيب عن الشق الأول من السؤال د. كارل بيرجستروم Dr. Carl Bergstrom، عالم الأحياء الحسابي Computational Biologist في جامعة واشنطن، يعتقد د. بيرجستروم ان المرجع في هذا الامر يعود الى قدرة وسعة استيعاب نظام الرعاية الصحية للتعامل مع الوباء المحتمل وهو الامر الذي يغفل عنه كثير من المختصين في المجال الطبي وإدارة الطوارئ والازمات
مع ظهور متزايد من حالات COVID-19 في الولايات المتحدة والعالم، شعر د. بيرجستروم بالإحباط الشديد من قبل الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين لا يفهمون سبب عدم مواصلة التجمعات الاجتماعية العادية. لتوضيح أهمية التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الوباء، تعاون مع المصممة استر كيم Esther Kim لتطوير رسم بياني مفيد يوضح هذه العلاقة.
يوضح المنحنى الاول مع القمة الطويلة سيناريو حيث تؤدي الكثير من حالات انتقال المرض إلى الكثير من الأمراض، مما يربك نظام الرعاية الصحية. لسوء الحظ، هذا ما يحدث حاليًا في إيطاليا وإيران، حيث يتعين على الأطباء اتخاذ بعض الخيارات المروعة حقًا بشأن من يحصل على الرعاية أولاً وذلك لكثرتها.
ويقول د. بيرجستروم يجب علينا تسوية المنحنى وجعله أكثر افقية عن طريق اتخاذ خطوات استباقية كثيرة للسيطرة على مسار هذا الوباء”. “إذا أصيب الكثير من الأشخاص في نفس الوقت، فسوف نحمل النظام الصحي عبئاً لا يستطيع التعامل معه من أسرّة وكادر طبي وصحي، إلخ” وتكمن هنا أهمية وفوائد اتخاذ إجراءات الابتعاد الاجتماعي الاستباقية والتي سنتحدث عنها لاحقا.
يوفر المنحنى الثاني مع القمة الأقصر سيناريو في حالة إجراءات التباعد الاجتماعي مع انتقال منخفض للمرض. على الرغم من اننا قد نفترض انه من المحتمل أن يستمر تفشي حالات المرض لفترة أطول، إلا أن عدد الحالات الشديدة في أي وقت يتطلب مساحة وموارد مستشفيات اقل وسيكون قابلاً للإدارة.
التعلم من التاريخ والدراسات البحثية
خلال وباء الإنفلونزا عام 1918، انتظرت مدينة فيلادلفيا الامريكية أكثر من أسبوعين بعد أول حالة تم الإبلاغ عنها لتنفيذ التباعد الاجتماعي. عندها، كان نظام الرعاية الصحية في المدينة شبه معطل لعدم قدرته الاستيعابية للتعامل مع الاعداد الهائلة من الحالات واتخاذ قرارات مروعة لاختيار الأوليات منها. في المقابل، نفذت مدينة سانت لويس الامريكية التباعد الاجتماعي بعد يومين فقط من أول حالة تم الإبلاغ عنها.
قارنت دراسة في عام 2007 بعنوان تدخلات الصحة العامة وكثافة الانتشار خلال وباء الإنفلونزا عام 1918 استجابة المدينتين للوباء، وتظهر الدراسة رسم بياني مشابهًا جدًا للرسم البياني لدكتور بيرجستروم واستر كيم.
تُظهر البيانات أن منحنى فيلادلفيا – الذي يظهر عدد الوفيات – كان له ذروة عالية من غير إجراءات الابتعاد الاجتماعي، بينما نجح سانت لويس في تسوية المنحنى من خلال إجراءات الابعاد الاجتماعي الالزامي
التنبؤ بالوضع الحالي لبعض الدول
واعتقد انه بالاستناد إلى نتائج هذه الدراسة وتصور د. بيرجستروم لأهمية إجراءات الابتعاد الاجتماعي كأهم اجراء تدخلي استباقي يمكن التنبؤ بالرسم البياني الحالي لغالبية الدول التي لم تفرض تلك الاجراءات، الرسالة الأساسية هنا هي العمل والتصرف بسرعة.
وتعليقا على وضع بعض الدول كالولايات المتحدة وحسب د. بيرجستروم، لقد تجاوزت الولايات المتحدة على سبيل المثال نقطة قدرتها على تتبع مسار العدوى لكل حالة ورفاهية عزل الحالات بشكل فردي. بدلاً من ذلك، فإن التعامل مع انتشار الوباء بعقلية طوارئ الصحة العامة الاستباقية والحفاظ على المسافة الاجتماعية والتباعد الاجتماعي لتسوية المنحنى امر حتمي
عناصر التباعد الاجتماعي الحتمية
- الحكمة في الابتعاد عن الأشخاص الذين تبدو عليهم الأعراض (تم شرح هذه الاعراض كثيرا)
- الغاء المصافحة والتقبيل الاجتماعي في ثقافاتنا المختلفة للرجال والنساء
- الحد من التجمعات (المجتمعية بغرض الترفيه والتواصل)
- الحد من الاجتماعات المهنية ضمن إطار العمل
- الحد من الاجتماعات في أماكن العبادة للحد الادنى
- الحد من السفر
- تعليم وتوعوية الأطفال بالابتعاد الاجتماعي في هذه الظروف وشرح الأسباب والاهمية
حمانا الله وإياكم والناس أجمعين …..
المصادر
Hatchett, R. J., Mecher, C. E., & Lipsitch, M. (2007). Public health interventions and epidemic intensity during the 1918 influenza pandemic. Proceedings of the National Academy of Sciences, 104(18), 7582-7587