10 أسباب لماذا يعشق البعض نظرية المؤامرة

يمكنك ايضا قراءة المقال على موقع ساسة بوست

 

تنبع نظريات المؤامرة و التي تبدو مجنونة أحيانًا من أي حدث أو ظاهرة، مثلًا يعتقد البعض أن “ظاهرة الاحتباس الحراري خدعة مصممة لتدمير الصناعة الأمريكية”. يعتقد حوالي 30% من البالغين في الولايات المتحدة أن فيروس كوفيد-19 تم تطويره مخبريًا و نشره عمدًا و أن تهديده قد تم تضخيمه. مقتل الرئيس الأمريكي جون كينيدي  كان و ما يزال حديثًا خصبًا لنظريات المؤامرة.

يبحث الناس عن تفسيرات ملموسة لما هو غير مرئي أو غير قابل للتفسير. نظريات  المؤامرة هي سمة سائدة في الثقافة و السياسة ليس العربية فقط و إنما معظم الثقافات، و يمكن أن تهدد مثل هذه النظريات الصحة العامة و الفكر المجتمعي و التنموي و السياسي و الاقتصادي، كما هو الحال عندما لا يرتدي الناس كمامات الوجه في حالة انتشار فيروس كوفيد-19 أو يرفضون التطعيم ضد الأمراض المعدية القاتلة أو عند استخدام نظريات المؤامرة كشماعة لعدم العمل و التطور و الشعور بقلة الحيلة.

يشير البروفيسور ماثيو جراي في  كتابه “نظريات المؤامرة في الشرق الأوسط: المصادر و السياسة”، أنها ظاهرة شائعة و قد تصل إلى أن تكون شعبية بين جميع طبقات المجتمع. بينما اتخذت الدول الغربية مسارًا آخر من خلال دراسات نظرية المؤامرة من زاوية مختلفة حيث أصبح علماء الاجتماع و السياسة و النفس مهتمين بمثل هذه الدراسات و تفسيراتها المجتمعية. في غضون ذلك، يخشى عدد كبير من الباحثين و العلماء تدهور الثقة في العلم في ظل تزايد دعم السياسيين و الحكومات للاستقطاب السياسي و الأيديولوجي.

ما هي نظرية المؤامرة؟ وما هو تاريخها؟ و ما هي سمات من يؤمن بها؟

يُعَرِّف د. جوزيف أوسينسكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي فلوريدا، نظرية المؤامرة بأنها انطباع بوجود شبهة ما حيث تعمل مجموعة صغيرة من الأشخاص المتنفذين في الخفاء لمصلحتهم الخاصة (اقتصادية أو مالية أو سياسية أو سلطوية) و ضد الصالح العام و بطريقة تقوض القواعد الأساسية و العادلة للمارسات الأخلاقية في المجتمعات، يشرح د. أوسينسكي أن هذا الانطباع لم يتم التحقق منه من قبل الخبراء المختصين باستخدام الحقائق و البيانات و الأساليب المتاحة و المفتوحة. فيبقى الانطباع مجرد شك إلى أن يثبت من خلال الأدلة و الحقائق الحسية. بناءًا عليه لا يمكن اعتبار قضية “ووترجيت” نظرية مؤامرة لأن الأدلة أظهرت أن الرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة و أخرين تآمروا على تقويض الديموقراطية و الفوز بالانتخابات و التستر على مدخلات الجريمة.

قال د. أوسينسكي: “لقد آمن الناس دائمًا بنظريات المؤامرة”. يمكن العثور على دليل على هذا في العصور القديمة. قيل أن الإمبراطور نيرون تآمر على حرق روما في 64م، على سبيل المثال، على الرغم من عدم وجود دليل مقتع على قيامه بذلك. لذلك فإنه ليس شيئًا جديدًا، و ليس من الواضح أنه أكثر انتشارًا الآن مما كان عليه في أي وقت مضى.

في بحث منشور في مجلة علم النفس الاجتماعي ، يلخص د. أنتوني لانتيان و آخرون السمات المرتبطة بالأشخاص المرجحون للإيمان بنظريات المؤامرة مثل الانفتاح و حب التجربة، عدم الثقة بالآخرين، و دوام المعارضة و الرفض.

يعتقد بروفيسور ماثيو جراي أنه أحيانًا يُمكن للحكومات و النخب السياسية أن يكونوا في الواقع مروجين لنظريات المؤامرة لأسباب عديدة، منها تحويل الانتباه عن القضايا الملحة و بناء حقيقة مضادة لإرباك الناس، و بعد فترة، خاصةً في سياق النظم الاستبدادية و الأمنية الصارمة، يصبح من الصعب معرفة الحقيقة.

عشرة أسباب لعلاقة العشق بين  العقول و نظرية المؤامرة حسب دراسة فريق د. أنتوني لانتيان وغيرهم

  1. نظريات المؤامرة تجعل بعض الأشخاص يشعرون بأنهم مميزون بين أقرانهم: يشعرون أنهم أكثر دراية و اطلاعًا من غيرهم بالأحداث الاجتماعية و السياسية الهامة.
  2. نحن جميعًا مُنَظِّري مؤامرة بالفِطرة، هكذا يشرح الدكتور روب براذرتون، عالم النفس في كلية بارنارد الأمريكية في كتابه “العقل المشكك”: “إن نظريات المؤامرة لها عمق بسبب التحيزات المتجذرة و المتضمنة في عقلنا الباطن، و التي تعكس رغباتنا و مخاوفنا و افتراضاتنا حول العالم و الناس.
  3. كثيرًا ما يُلقى باللوم على انتشار استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كمصدر معلومات من غير حقق، في زيادة تعلق العقول بنظريات المؤامرة. وفقًا لدراسة نُشرت في 4 أغسطس في مجلة Media International Australia، هناك شائعة مفادها أن تقنية 5G كانت تنقل بالفعل فيروس كورونا – و هو ادعاء مرتبط بنظرية المؤامرة بأن 5G سيء بالنسبة لنا وساعدت منصة Facebook في انتشار هذه النظرية بشكل كبير.
  4. من وجهة نظر بروفيسور ماثيو جراي، المحاضر أول في مركز الدراسات العربية و الإسلامية، يعتبر الأيديولوجيا محرك لنظريات المؤامرة، ويزعم أن أيديولوجيات مثل الاشتراكية و القومية العربية قد فشلت في جذب خيال غالبية الناس، و بالتالي، في غياب أيديولوجية مقنعة، تنتشر نظريات المؤامرة.
  5. ينسِب بعض من الصحفيين و الباحثين في علم النفس و آخرون حب نظريات المؤامرة إلى كونها الملاذ النهائي و الأخير للضعفاء و الذين يملكون انطباعات انهزامية و عجزهم عن التأثير بمجريات الأمور. و يظهر هذا جليًا في مجتمعات الدول النامية.
  6. ازدياد عدم الثقة بالحكومات و العلم، و هذا واضح خلال جائحة كوفيد-19 حيث الفوضى و غياب النهج الموحد و الفعال في التعامل مع الأثر الاجتماعي و الصحي و الاقتصادي للحد من انتشار الفيروس.
  7. القلق و البارانويا و الانعزال و فقدان السيطرة على مجريات الحياة السياسية، كلها مشاعر يمكن أن تُمكن عشق العقول إلى أفكار المؤامرات السرية.
  8. يزعُم د. أوسينسكي بأن التنشئة الاجتماعية و الهوية الجماعية قد تساعد في تبني عقولنا لنظريات المؤامرة.
  9. يتعلم الناس عن مصادر المعلومات الموثوقة من آبائهم و معلميهم و أصدقائهم و من وسائل الإعلام التي يشاهدونها. يمكن أن تتأثر نظرة الشخص عن قضايا العالم و المواضيع المحلية بشكل كبير بهوية المجموعة و وسائل الإعلام و الرغبة في الشعور بالاندماج و الانتماء للمجتمع، و التي في أسوأ حالاتها يمكن أن تؤدي إلى ظهور الجهوية (من الجهة) و القبلية حتى في نظريات المؤامرة.
  10. عشق بعض العقول لنظرية المؤامرة هو تحقق بعضها أحيانًا. فقد أثبت التاريخ حقيقة ما كان يشك فيه الناس في بعض الحوادث كبرامج ناسا السرية.

الخلاصة:

ستستمر نظريات المؤامرة بالازدهار في ظل تزايد عدم الثقة في الحكومات و العلم و تزايد استخدام وسائل التواصل بأنواعها و تقنيات الاتصال و التي تتطور بسرعة البرق. تكمن المفارقة هنا أن نفس تكنولوجيا الاتصالات و مواقع التواصل و الإنترنت تُمكن من نشر الحقيقة و التعلم بسهولة شديدة، الاختلاف الوحيد على طريقة الاستخدام و الالتزام بالاخلاقيات و القيم.

تستحق نظريات المؤامرة الدراسة الجادة من قبل الباحثين في علم الاجتماع السياسي و النفس و السياسة و خصوصًا العالم العربي أنها ظاهرة مجتمعية حقيقية مرتبطة مباشرةً باللغة السياسية و الثقافة العامة، و على الرغم من أن انتشار الكثير من القصص التي لم يتم التحقق منها من خلال الحقائق و خاصة العلمية، يمكن أن تتحول بسهولة إلى نظريات مؤامرة. إلا أنها مع ذلك مؤشرات مهمة للاهتمامات الداخلية و المخاوف و التفكير المجتمعي تجاه موضوع أو قضية ذات اهتمامًا، و يمكن أن تكشف عن أفكار أساسية غالبًا ما يتجاهلها الخطاب الرسمي. و يجب أن يتصدى العلماء و المثقفون لضحد هذه النظريات عبر بناء الثقة مع المجتمع من خلال إنشاء قنوات و أدوات معاصرة ذات مصداقية عبر منصات التواصل الاجتماعي تمامًا مثل تكتيكات ناشري نظريات المؤامرة.

1 فكرة عن “10 أسباب لماذا يعشق البعض نظرية المؤامرة”

  1. هو الصراع بين الحق والباطل
    المؤامرة تأتي دائما من طرف الباطل لعجزه وكرهه للحق ولكل شئ يخالف هواه
    الفرق بينهما أن الحق له ضوابط في التعامل مع الباطل على حسب كل حالة ومن أوليات الحق هو التصحيح والبناء
    بينما الباطل ليس له ضوابط الضابط الوحيد لديه هو التدمير

تم إقفال التعليقات.