من المؤسف أن نشهد كيف صاغ الغرب الرأسمالي المجتمع على نطاق عالمي. يتحرك بالسعي المهووس نحو الثروة والنجاح، كانت الرواية الغربية دائمًا تعطي الأولوية للعمل الجاد والطموح، مما جعل السعادة الشخصية والإنجاز الفردي ضمن الأوليات. وقد أدى ذلك إلى وجود مجتمع يعتبر الأشخاص فيه الثروة والمكانة اهم من راحتهم الشخصية ورفاهيتهم.
لمعالجة هذا الخلل، ظهرت صناعة جديدة: التدريب الحياتي life Coach , الذين غالبًا ما يتقاضون أجورًا غير مبررة لدوراتهم التدريبية ، ومهمتهم توجيه الأفراد في سعيهم نحو اكتشاف الذات والسعادة. ويملأون الفراغ الذي تركه المجتمع الذي يعطي الأولوية للإنتاجية على حساب الذات. وعلى الرغم من أن هؤلاء المدربين يمكن أن يقدموا رؤى وآفاق قيمة، من الهام ملاحظة أنهم غالبًا ما يكونون منتج ثانوي للنظام الغربي الرأسمالي الشرس الذي تجاهل الاحتاجات الروحانية كوجود هدف سامي اكبر لوجودنا ودورنا الفعال في مجتماعتنا من البداية.
الآن، يتم تصدير هذا التوجه إلى البلدان المسلمة وغيرها في افريقيا واسيا وبقية العالم. هذه المجتمعات يرتبط الشعور بالذات تقليديا بدور الفرد ومسؤولياته ضمن المجتمع، وعلاقتهم بالله الخالق العظيم، وفهمهم الواضح لغرض وجودهم . من المقلق بشكل كبير أن هذه المجتمعات، التي تأسست على الانسجام المجتمعي والإيجابية الروحية والحياة الهادفة، تستهدفها صناعة ظهرت من النواقص الجوهرية للرأسمالية الغربية.
بينما قد يستفيد البعض من خدمات مدربين الحياة ، يجب أن نوضح بشكل نقدي الدافع الكامن وراء نمو هذه الصناعة. ويجب أن نحذر من تجار البحث عن الذات والتأمل الروحي، خاصة عندما يكون ضارًا بالنسيج الثقافي والديني للمجتمع الذي يعتبر هذه القيم عزيزة بالفعل.
أثناء التعمق في التقاطعات المعقدة بين العولمة والرأسمالية الشرسة والثقافة المحلية المستنيره بقيم الاسلام،يجب أن نحترم ونقدر ونعزز الهياكل المجتمعية المسلمة التي توفر للأفراد شعورًا بالهدف والسعادة والإنجاز. بالنسبة للبلدان المسلمة، الأمر ليس استبدال القواعد والأعراف الثقافية المحددة اسلاميا ، ولكن عن احتضانها وتعميقها ونشرها والترويج لها بدلا عن استيراد ثقافة “مدربين الحياة” من مجتمعات غربية مأزومة ثقافيا وخاوية روحانيا من غير هدف ومهمة.
في النهاية، السعي نحو السعادة ليس خدمة يمكن تأجيرها؛ بل هو رحلة شخصية يجب أن يقوم بها كل فرد لنفسه، مرتكزًا على سياقه الثقافي والاسلامي الرصين.